الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)
جاءت التثنية على الأصل والجمع لا من اللبس إذ النهار ليس له إلاّ طرفان. وقيل: هو على حقيقة الجمع الفجر الطرف الأول، والظهر والعصر من الطرف الثاني، والطرف الثالث المغرب والعشاء. وقيل: النهار له أربعة أطراف عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وعند زوال الشمس، وعند وقوفها للزوال. وقيل: الظهر في آخر طرف النهار الأول، وأول طرف النهار الآخر، فهي في طرفين منه، والطرف الثالث غروب الشمس وهو وقت المغرب. وقيل: يجعل النهار للجنس فلكل يوم طرف فيتكرر بتكرره.وقيل: المراد بالأطراف الساعات لأن الطرف آخر الشيء. وقرأ الجمهور: {وأطراف} بنصب الفاء وهو معطوف على {ومن آناء الليل}. وقيل: معطوف على {قبل طلوع الشمس} وقرأ الحسن وعيسى بن عمر {وأطراف} بخفض الفاء عطفاً على {آناء}.{لعلك ترضى} أي تثاب على هذه الأعمال بالثواب الذي تراه وأبرز ذلك في صورة الرجاء والطمع لا على القطع. وقيل: لعل من الله واجبة. وقرأ أبو حيوة وطلحة والكسائي وأبو بكر وأبان وعصمة وأبو عمارة عن حفص وأبو زيد عن المفضل وأبو عبيد ومحمد بن عيسى الأصبهاني تُرْضَى بضم التاء أي يرضيك ربك.ولما أمره تعالى بالصبر وبالتسبيح جاء النهي عن مد البصر إلى ما متع به الكفرة يقال: مد البصر إلى ما متع به الكفار، يقال: مد نظره إليه إذا أدام النظر إليه، والفكرة في جملته وتفصيله. قيل: والمعنى على هذا ولا تعجب يا محمد مما متعناهم به من مال وبنين ومنازل ومراكب وملابس ومطاعم، فإنما ذلك كله كالزهرة التي لا بقاء لها ولا دوام، وإنها عما قليل تفنى وتزول. والخطاب وإن كان في الظاهر للرسول صلى الله عليه وسلم فالمراد أمته وهو كان صلى الله عليه وسلم أبعد شيء عن النظر في زينة الدنيا وأعلق بما عند الله من كل أحد، وهو القائل في الدنيا «ملعونة ملعون ما فيها إلا ما أريد به وجه الله» وكان شديد النهي عن الاغترار بالدنيا والنظر إلى زخرفها {ولا تمدن} أبلغ من لا تنظر لأن مد البصر يقتضي الإدامة والاستحسان بخلاف النظر، فإنه قد لا يكون ذلك معه والعين لا تمدّ فهو على حذف مضاف أي {لا تمدن} نظر {عينيك} والنظر غير الممدد معفو عنه. وذلك مثل من فاجأ الشيء ثم غض بصره. والنظر إلى الزخارف مركوز في الطبائع فمن رأى منها شيئاً أحب إدمان النظر إليه، وقد شدّد المتقون في غض البصر عن أبنية الظلمة وعدد الفسقة مركوباً وملبوساً وغيرهما لأنهم إنما اتخذوها لعيون النظارة حتى يفتخروا بها، فالناظر إليها محصل لغرضهم وكالمغرى لهم على اتخاذها. وانتصب {أزواجاً} على أنه مفعول به، والمعنى أصنافاً من الكفرة و{منهم} في موضع الصفة لأزواجاً أي أصنافاً وأقواماً من الكفرة. كما قال: {وآخر من شكله أزواج} وأجاز الزمخشري أن ينتصب {أزواجاً} عن الحال من ضمير {به} و{متعنا} مفعوله منهم كأنه قيل إلى الذي متعنا به وهو أصناف بعضهم، وناساً منهم. و{زهرة} منصوب على الذم أو مفعول ثان لمتعنا على تضمينه معنى أعطينا أو بدل من محل الجار والمجرور، أو بدل من {أزواجاً} على تقدير ذوي زهرة، أو جعلهم {زهرة} على المبالغة أو منصوب بفعل محذوف يدل عليه {متعنا} أي جعلنا لهم {زهرة} أو حال من الهاء، أو ما على تقدير حذف التنوين من {زهرة} لالتقاء الساكنين وخبر {الحياة} على البدل من {ما} وكل هذه الأعاريب منقول والأخير اختاره مكي، وردّ كونه بدلاً من محل {ما} لأن فيه الفصل بالبدل بين الصلاة وهي {متعنا} ومعمولها وهو {لنفتنهم} فالبدل وهو {زهرة}.وقرأ الجمهور {زَهْرَة} بسكون الهاء. وقرأ الحسن وأبو البر هيثم وأبو حيوة وطلحة وحميد وسلام ويعقوب وسهل وعيسى والزهري بفتحها. وقرأ الأصمعي عن نافع لِنُفْتِنَهم بضم النون من أفتنه إذا جعل الفتنة واقعة فيه، والزهرة والزهرة بمعنى واحد كالجهرة والجهرة. وأجاز الزمخشري في {زهرة} المفتوح الهاء أن يكون جمع زاهر نحو كافر وكفرة، وصفهم بأنهم زاهر وهذه الدنيا الصفاء ألوانهم مما يلهون ويتنعمون وتهلل وجوههم وبهاء زيهم وشارتهم بخلاف ما عليه المؤمنون والصلحاء من شحوب الألوان والتقشف في الثياب، ومعنى {لنفتنهم فيه} أي لنبلوهم حتى يستوجبوا العذاب لوجود الكفران منهم أو لنعذبهم في الآخرة بسببه.{ورزق ربك خير وأبقى} أي ما ذخر لهم من المواهب في الآخرة {خير} مما متع به هؤلاء في الدنيا {وأبقى} أي أدوم. وقيل: ما رزقهم وإن كان قليلاً خير مما رزقوا وإن كان كثير الحلية ذلك وحرمية هذا. وقيل: ما رزقت من النبوة والإسلام. وقيل: ما يفتح الله على المؤمنين من البلاد والغنائم. وقيل: القناعة. وقيل: ثواب الله على الصبر وقلة المبالاة بالدنيا.ولما أمره تعالى بالتسبيح في تلك الأوقات المذكورة ونهاه عن مد بصره إلى ما متع به الكفار أمره تعالى بأن يأمر أهله بالصلاة التي هي بعد الشهادة آكد أركان الإسلام، وأمره بالاصطبار على مداومتها ومشاقها وأن لا يشتغل عنها، وأخبره تعالى أن لا يسأله أن يرزق نفسه وأن لا يسعى في تحصيل الرزق ويدأب في ذلك، بل أمره بتفريغ باله لأمر الآخرة ويدخل في خطابه عليه السلام أمته. وقرأ الجمهور {نَرْزُقُكَ} بضم القاف. وقرأت فرقة: منهم وابن وثاب بإدغام القاف في الكاف وجاء ذلك عن يعقوب. قال صاحب اللوامح: وإنما امتنع أبو عمرو من إدغام مثله بعد إدغامه {نرزقكم} ونحوها لحلول الكاف منه طرفاً وهو حرف وقف، فلو حرك وقفاً لكان وقوفه على حركة وكان خروجاً عن كلامهم. ولو أشار إلى الفتح لكان الفتح أخف من أن يتبعض بل خروج بعضه كخروج كله، ولو سكن لأجحف بحرف. ولعل من أدغم ذهب مذهب من يقول جعفر وعامر وتفعل فيشدد وقفاً أو أدغم على شرط أن لا يقف بحال فيصير الطرف كالحشو انتهى.و{العاقبة} أي الحميدة أو حسن العاقبة لأهل التقوى {وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه} هذه عادتهم في اقتراح الآيات كأنهم جعلوا ما ظهر من الآيات ليس بآيات، فاقترحوا هم ما يختارون على ديدنهم في التعنت فأجيبوا بقوله {أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى} أي القرآن الذي سبق التبشير به وبإيحائي من الرسل به في الكتب الإلهية السابقة المنزّلة على الرسل، والقرآن أعظم الآيات في الإعجاز وهي الآية الباقية إلى يوم القيامة.وفي هذا الاستفهام توبيخ لهم. وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص {تأتهم} بالتاء على لفظ بينة. وقرأ باقي السبعة وأبو بحرية وابن محيصن وطلحة وابن أبي ليلى وابن مناذر وخلف وأبو عبيدة وابن سعدان وابن عيسى وابن جبير الأنطاكي يأتهم بالياء لمجاز تأنيث الآية والفصل. وقرأ الجمهور بإضافة {بينة} إلى {ما} وفرقة منهم أبو زيد عن أبي عمرو بالتنوين و{ما} بدل. قال صاحب اللوامح: ويجوز أن يكون ما نفياً وأريد بذلك ما في القرآن من الناسخ والفصل مما لم يكن في غيره من الكتب. وقرأت فرقة بنصب {بينة} والتنوين و{ما} فاعل بتأتهم و{بينة} نصب على الحال، فمن قرأ يأتهم بالياء فعلى لفظ {ما} ومن قرأ بالتاء راعى المعنى لأنه أشياء مختلفة وعلوم من مضى وما شاء الله.وقرأ الجمهور {في الصُحُف} بضم الحاء، وفرقة منهم ابن عباس بإسكانها والضمير في ضمن قبله يعود على البينة لأنها في معنى البرهان، والدليل قاله الزمخشري والظاهر عوده على الرسول صلى الله عليه وسلم لقوله: {لولا أرسلت إلينا رسولاً} ولذلك قدره بعضهم قبل إرساله محمداً إليهم والذل والخزي مقترنان بعذاب الآخرة. وقيل {نذل} في الدنيا و{نخزَى} في الآخرة. وقيل: الذل الهوان والخزي الافتضاح.وقرأ الجمهور {نُذل ونَخزى} مبنياً للفاعل، وابن عباس ومحمد بن الحنفية وزيد بن علي والحسن في رواية عباد والعمري وداود والفزاري وأبو حاتم ويعقوب مبنياً للمفعول.{قل كل متربص فتربصوا} أي منتظر منا ومنكم عاقبة أمره، وفي ذلك تهديد لهم ووعيد وأفرد الخبر وهو {متربّص} حملاً على لفظ {كل} كقوله {قل كل يعمل على شاكلته} والتربص التأني والانتظار للمفرج و{من أصحاب} مبتدأ وخبر علق عنه {فستعلمون} وأجاز الفراء أن تكون ما موصولة بمعنى الذي فتكون مفعولة بفستعلمون و{أصحاب} خبر مبتدأ محذوف تقديره الذي هم أصحاب، وهذا جار على مذهب الكوفيين إذ يجيزون حذف مثل هذا الضمير مطلقاً سواء كان في الصلة طول أم لم يكن وسواء كان الموصول أياً أم غيره.وقرأ الجمهور {السوي} على وزن فعيل أي المستوي. وقرأ أبو مجلز وعمران بن حدير السواء أي الوسط. وقرأ الجحدري وابن يعمر السوأى على وزن فعلى أنث لتأنيث {الصراط} وهو مما يذكر ويؤنث تأنيث الأسواء من السوأى على ضد الاهتداء قوبل به {ومن اهتدى} على الضد ومعناه {فستعلمون} أيها الكفار من على الضلال ومن على الهدى، ويؤيد ذلك قراءة ابن عباس الصراط السوء وقد روي عنهما أنهما قرآ السوأى على وزن فعلى، فاحتمل أن يكون أصله السووي إذ روي ذلك عنهما فخفف الهمزة بإبدالها واواً وأدغم، واحتمل أن يكون فعلى من السواء أبدلت ياؤه واواً وأدغمت الواو وفي الواو، وكان القياس أنه لما بني فعلى من السواء ان يكون السويا فتجتمع واو وياء، وسبقت إحداهما بالسكون فتقلب الواو ياء وتدغم في الياء، فكان يكون التركيب السيا.وقرئ السُوَيّ بضم السين وفتح الواو وشد الياء تصغير السوء. قاله الزمخشري، وليس بجيد إذ لو كان تصغير سوء لثبتت همزته في التصغير، فكنت تقول سؤيي والأجود أن يكون تصغير سواء كما قالوا في عطاء عطي. ومن قرأ السوأى أو السوء كان في ذلك مقابلة لقوله {ومن اهتدى} وعلى قراءة الجمهور لم تراع المقابلة في الاستفهام.
|